هل ستزول هوليوود عمّا قريب
فلنغتنم هذه الفرصة قبل فوات الأوان
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب على طريق بناء المجتمع التقدمي
الشاشة هي المصدر الأول للأفكار التي تصل إلى عقول البشر. والدراما هي الأسلوب الأقوى تأثيرًا في عالم الشاشة. وحيث إنّ هوليوود كانت وما زالت تستحوذ على النسبة الأكبر من الإنتاج الدرامي العالمي، فقد كان لمنطقها وثقافتها الهيمنة والغلبة على عالم الأفكار والتوجُّهات.
الذين أدركوا أنّ القوة الأساسية لأمريكا هي هوليوود، إن كانوا من أهل العزم وقُيّض لهم أن يكونوا من أصحاب القرار والمال، عليهم أن يلتفتوا اليوم إلى أنّ حلم القضاء على هوليوود أصبح قابلًا للتحقُّق أقرب من أي وقت مضى.
في تحليلٍ مبسط لقوة هوليوود، فإنّ هذه الصناعة الأمريكية المتفوقة تعتمد على عنصرين أساسيين، هما اللذان يقفان وراء تلك الاستثمارات الكبيرة التي تزيد عن ميزانيات دول:
العنصر الأول هو وجود بيئة واسعة وعريقة ذات خبرات وكفاءات عالية في مجال الكتابة وإبداع الأفكار. والعنصر الثاني يرتبط بالتقنيات الفنية المتعلقة بالتصوير والمؤثرات، والتي اعتمدت على استديوهات عملاقة جعلت حلم كل مخرج يصبح حقيقة، بل بعثت من الأحلام ما لم يكن يخطر على بال.
لا ينفك العنصران عن بعضهما بعضًا، فهما في هوليوود بمثابة بيئة تفاعلية متشابكة للغاية؛ وبفضل هذه البيئة، شاهدنا كل هذا الإبداع وتلك الإنتاجات العالمية الضخمة.
إنّ الإمكانات الهائلة للإنتاج بدورها تطلق عنان المخيلات وتُسيّل الأقلام دون أي قيد أو حد. أهل هوليوود هم أقل الناس ترددًا بشأن ما يريدونه أو يحلمون به على صعيد الإنتاج السينمائي. أن ترى خيالك مندفعًا دون أي حدود، لهو قلب قوة الإنتاج الدرامي في مختلف المجالات.
ميزة هوليوود هذه تفتقد إليها كل الدول والمجتمعات التي تشعر بضرورة الصمود والمواجهة في معركة الثقافة الكبرى. البيئة التي يُفترض أن تترعرع فيها الأقلام المبدعة تعاني من قصورٍ ذاتي أوجدته أوهام الإمكانات الجبارة عند الآخر.
يقول المهتمون بعالم الكتابة وإنتاج الأفكار: "إنّ ما يفصلنا عن هوليوود هو مسافات ضوئية". والعامل الأول الذي يراه هؤلاء هو الفارق الكبير بين إمكاناتنا وإمكاناتهم على صعيد تحويل الفكرة إلى شاشة.
حسنًا، يجب أن نلتفت اليوم إلى أنّ هذه الهوة التي كانت تتقلص ببطء على مدى السنين، ستندمل بالكامل في الأيام المقبلة. لن يكون هناك أي مشكلة في خلق أي مشهد يمكن أن يخطر على خيال أحد. فمع الذكاء الاصطناعي الآخذ بالتسارع بوتيرة لم يعد بإمكان مخترعيه مواكبتها، سيتمكّن أي إنسان وهو في بيته من صناعة الفيلم الذي يتمتع بكل المواصفات التمثيلية العالية. وهكذا، لن يجري بعد ذلك أي حديث عن الفارق والهوة التقنية. سيصبح ذلك من الماضي. لكن الشيء الوحيد الذي سيبقى هو سباق الخيال، لو غضضنا النظر حاليًّا عن منصات العرض العالمية واحتكارها.
المشكلات التي كانت تنبعث بوجه صُنّاع الدراما في كل المجتمعات العالمية لن يبقى لها وجود. لن يجلس المخرجون والمؤلفون لساعات طويلة وهم يناقشون المنتجين في ميزانيات هذا الفيلم أو ذاك. ربما لن يعود هناك من حاجة لوجود شخص اسمه المنتج.
في عصر الذكاء الاصطناعي الآتي، تجلس أمام شاشة حاسوبك وتفتح أحد برامج الإنتاج الدرامي وتعطيه مجموعة من الأوامر، ثم وبعد لحظات قليلة، يخرج الفيلم. وكما قال أحد خبراء هذه الصناعة: تقول أريد فيلمًا تقع أحداثه في تكساس في الغرب المتوحش وفيه حركة وصراع بين شخصين من طبقتين؛ ثم تشاهد أمامك فيلمًا جاهزًا بعد عدة ثوان.
بالتأكيد إنّ هذا الذكاء الاصطناعي سيبقى معتمدًا إلى حدٍّ كبير على ما يقدمه له الإنسان؛ وكلما تعمقت هذه الأوامر وتوسعت وتشعبت، فسوف يكون باستطاعة هذا البرنامج الذكي أن يقدم لنا فيلمًا أكثر تشويقًا.
هذا ما يرجعنا مرة أخرى إلى ساحة الصراع الأساسية التي ستجري في عالم الإبداع والخيال والكتابة والتأليف؛ وهي ساحة شديدة التعقيد والعمق والتخصص، بخلاف ما كان العديد من أصحاب القرار والمال يتصورونه في العقود الماضية. وبسبب هذه الغفلة تم توجيه القسم الأهم من المال والجهد نحو بنى تحتية آيلة للسقوط والانقراض.
فبدل العمل على تأسيس بيئة قوية للكتابة الدرامية، تم إنفاق القسم الأعظم من الموارد على الآلات والأغراض وأجور الممثلين وغيرها مما يعتبر من البنى الفوقية. وكانت النتيجة هذا الكم الهابط وغير المجدي والسطحي الذي كان السبب الأول وراء ترسيخ القناعة بتفوق هوليوود.
يبدو أن هذه النتيجة كانت وليدة تآمر أصحاب المال والقرار وأهل السينما أنفسهم. حين جرى نقد أحد المسلسلات المحلية من كل حدبٍ وصوب، كان الرد الوحيد هو أنه قد تم إنتاج كل حلقة منه بألف دولار فقط. لم يُشر أحد إلى مشكلة بنيوية تتعلق بعدم وجود بيئة مناسبة لتألق الكتابة. مرة أخرى ظنّ هؤلاء أنّ المشكلة يمكن حلها من خلال دورات سريعة في كتابة السيناريو.
إنّ خلق بيئة مناسبة لانبعاث الخيال الأدبي الذي يكون محلًّا لتنزُّل الفكر والحقائق الكبرى يجب أن يكون أولوية مطلقة فيما إذا كنا بصدد اغتنام الفرصة الآتية من تطور الذكاء الاصطناعي. ولو أخذ أصحاب القرار مثل هذا الأمر على محمل الجد وعملوا بهذه الأولوية، فإننا سنشهد بعد حين أعمالًا درامية لن يكون لها منافس، حتى في عالم الخيال المطلق العنان.
وللذين لم يطلعوا على ما تحدثنا عنه مرارًا تحت عنوان خلق الثقافة الوسيطة. فإن إيجاد هذه البيئة يتطلب أعمالًا أساسية في مجال الفكر، تقوم على إيجاد تحولٍ نوعي في مقاربتنا لتراثنا الإسلامي المتشعب والمعقد، خصوصًا ذاك المرتبط بحقل العرفان.
إنّ القسم الأكبر من التراث المتفَق أو المجمع عليه في البيئة المذهبية الواحدة يعجز عن أن يكون مادة خصبة لانطلاق الإبداع الأدبي. فالتراث الذي قام على وضع الحدود وتعيين التموضع مقابل الآخر وجداله في أفكاره المنحطة لا يمكن أن ينتج تلك المفاخر والمآثر التي تنافس على صعيد العالم والإنسانية، ناهيك عن قدرته على استكشاف أعماق الدين والوجود وروائعه.
في ظل التموضع والصراع يختفي عالم الجمال، ويغلب النهج الطارد الذي تسيطر عليه ذهنية الخوف من كل جديد. ومع الخوف من الجديد والإبداع يتقيد الخيال الخلاق الذي يمثل البنية الأولى للدراما والإنتاج السينمائي بكل وجوهه.
على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$
ما هي السينما الإسلاميّة؟
إذا أردنا الحديث عن سينما تكون وسيلةً لترسيخ الالتزام بالقيم السّامية واكتساب المعارف العميقة وتوسعة البصيرة والوعي، فلا بدّ من الحديث عن سينما تنافس هوليوود أو تكون عاملًا أساسيًّا في إحباط باطلها وإزهاقه.
لماذا يجب التركيز على الدراما.. نحو امتلاك أهم قوة تأثير في العالم
يتفاعل البشر كثيرًا مع الأفكار والأطروحات وأي حديث يرتبط بواقعهم، والسبب يكمن في الأسرار والألغاز التي لا تزال تشغل هذا الواقع وتنبعث منه.. يريد كل واحد منّا أن يفهم واقعه لكي يتحكم به؛ فلا شيء يُقلق الإنسان مثل أن يكون ريشة في مهب رياح حوادث الحياة.
إبطال سحر هوليوود، ممكن أم مستحيل؟
إنّ قوّة هوليوود ليست في هذه المؤثرات والإنتاجات الضخمة، بل في الأفكار الكامنة فيها. لذا، فلو أردنا أن نبطل سحر هوليوود، فإنّنا لا نحتاج إلى هذا الكم وهذا النوع من الإنتاج، بل نحتاج إلى ذلك الإنتاج النوعي المرتبط بالمضمون والفكرة. كيف يمكننا تحقيق ذلك؟
كيف نتفوّق في السينما؟ إذا كنّا نريد العزّة لأمتنا فلا مناص من نهضة أدبية متفوقة
إذا كنّا ندرك حجم تأثير الإعلام والسينما والدراما، وأردنا الخلاص من براثن هذه القوّة الغربيّة المشؤومة، فلا مناص من العمل على بناء صرحٍ إعلاميّ إسلاميّ أصيل، ينبع من ثقافتنا وديننا ورؤيتنا الكونيّة.
أهمية حضور السينما في المدارس... أي دور تربويّ وتعليمي يمكن أن يتحقّق هنا؟
إنّ قدرة السينما على إمتاع حواس وخيالات وعقول الناس وحتى أرواحهم، جعلها تستحوذ على ثروات وإمكانات هائلة؛ الأمر الذي مكّنها من الاتّصال القويّ والواسع بالتراث المعرفيّ البشريّ والهيمنة على العديد من مجالات إنتاجه.
نحو سينما تصنع المعجزات .. ما هي مميّزات الفيلم الأعلى؟
يتّفق الجميع على قدرة السينما الكبيرة في التأثير على مشاعر الإنسان وإدراكاته ووعيه. الكثير من معارف الناس وتوجّهاتهم في هذا العصر، يتم صياغته عبر هذا الفن المتشعّب. وتتمتّع الشاشة الكبيرة بإمكانية التأثير الشعوري بدرجة قلّما يضاهيها أيّ أسلوبٍ بيانيّ آخر. لهذا، تسعى كل حكومات العالم ومؤسّساته الكبرى للاستحواذ على هذا الفن واستخدامه بما يخدم مصالحها. لكن عمق وتعقيد وكلفة الصناعة السينمائية جعل الكثيرين منهم يتراجعون ويستسلمون.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...