
الحياة المهنية للمسلم الواقعيّ
السيد عباس نورالدين
العمل والمهنة والشغل عباراتٌ متعدّدة تشير إلى الدور الذي ينبغي أن يؤدّيه الإنسان في هذه الحياة تجاه الأرض وأهلها. لكن هذا الدور ـ وللأسف الشديد ـ انحرف كثيرًا، حين أصبح العمل لأجل الارتزاق وصار يهدف فقط إلى تأمين المعاش. فبدلًا من أن تكون رؤية الرزق ثمرة طيّبة لأداء التكليف ونتيجة طبيعية لتحمّل المسؤولية الإلهية، أصبح بالنسبة للكثيرين غاية للعمل. وحين سيطر الطواغيت على معظم الإمكانات والثروات الأرضية، وأوهموا الناس أنّ مقاليد الأمور بأيديهم، ظنّوا أنّه بمقدورهم أن يحدّدوا للناس كلّهم أنواع الأعمال التي يجب أن يقوموا بها، فتحكّموا بالطاقات والجهود والاختصاصات.
لم يكن العمل في جيش الطاغوت النوع الوحيد لهذه الأعمال، وإن كان أبرز ما عُرف عنهم؛ فكل من يعمل لأجل الارتزاق سيكون خاضعًا لهذا الطاغوت بنحوٍ ما، وإن لم يشعر. لهذا، تبدأ المسيرة الحقيقية للمسلم في هذه الحياة حين يكتشف الطريق الآخر ويمشي عليه؛ فينفق رأسمال عمره وطاقاته في سبيل الله من أجل إعمار الأرض وإصلاحها عبر إقامة الدين.
من الصعب أو المستحيل أن تكون أعمال البر والعبادة التي نؤدّيها، ونحن نسلك الطريق الذي حدّده الطاغوت، مقرّبة لنا إلى الله عزّ وجل؛ بل كل ما ستفعله هذه الجهود هنا لن يكون سوى زيادة سرعة سيرنا على الطريق الخاطئ، والعياذ بالله.
حال العابد العامل المضحّي المنفق البر التقيّ الذي يسير على طريق الأعمال والمهن التي حدّدها النظام الطاغوتيّ، يشبه حال ذاك الذي اقتنى سيارة سريعة ذات محرّك قويّ بمئات الأحصنة، ثمّ قادها على الطريق الخاطئ. فلن تزيده سرعة السير والعبادة إلا بعدًا.. فبداية الصلاح والنجاة تكمن في تحديد المكان والعمل والمهنة التي نصرف فيها جلّ وقتنا والقسم الأكبر من طاقتنا وعطائنا.
ولأنّ المسلم لا يعيش القلق من الرزق، وهو يؤمن بأنّ الله قد تكفّل به، ينصرف ذهنه نحو تحديد الأعمال والمهن التي تعود بالنفع على الناس والمجتمع بشكل فعليّ تقدّمي؛ وحين يبدأ من هذه النقطة، فلن تأسره أهواء الرغبات الطفولية ولا توجيهات البنوك الدولية ولا حصائد شهادات جامعية. فقد قفز فوق كل هذه العقبات، ورأى المشهد الكبير، واكتشف الكثير من الاحتياجات التي ينبغي تأمينها لهذا المجتمع المنكوب المثقل بقرون القهر والحرمان والاستعمار والتخلّف والاحتلال والفساد؛ وهو يقول: كيف يُعقل أنّه لا يوجد عمل في مثل هذا المجتمع الذي يحتاج إلى ملايين الطاقات التي يجب أن تعمل ليل نهار حتى تسد تلك الهوّة الحضارية الهائلة التي نتجت عن قرون التخلّف؟ ناهيك عن متطلّبات التفوّق الحضاريّ الذي جعله الله عنوان هويّتنا بقوله عزّ من قائل: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}.[1]
أجل، إنّ هذا النوع من الأعمال قد لا يكون له عنوان واضح أو ضمان صحّي أو نقابة عمّالية؛ لكن ذهن هذا المسلم الذي اتّصل بالحقيقة سيكون ذهنًا مبدعًا. وكل رائد من الطبيعيّ أن يشق طريقًا لم يسلكه من قبله أحد. فهذه هي ريادة الأعمال الواقعية النافعة التقدمية، لا تلك التي يحدّدها بيل غايتس وزوكربرغ وأمثالهما.
إنّ المسلم الواقعيّ يندفع نحو العمل وبصره شاخص نحو ثماره الطيبة في الجنة والرضوان، ونفسه هاربة من مال الحرام خوفًا من الجحيم والنيران. فلا يمكن أن يمد يده إلى أي عمل يختلط فيه الحرام، وإن كان آخر خيار مطروح أمامه. فالموت جوعًا أسهل بدرجات من العذاب الأبدي. وكيف يموت جوعًا من اتّقى الله، والله وعد كل تقيّ قائلًا: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}.[2]
إنّ الكثير من الرزق المعدّ للمؤمن على وجهٍ خاص يأتي بطرق غير محسوبة أو متوقّعة. كما جاء في الحديث عن رسول الله(ص): "أَبَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ إِلَّا مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب".[3] فالله، بحبّه للمؤمنين الأتقياء، يهيّئ لهم المفاجآت الجميلة تلو المفاجآت السارّة، حتى يبقى حاضرًا في قلوبهم الطاهرة التي تقدّر هذا الحضور وتعانقه وتستشم روائح نسماته العابقة بألطاف الجنان.
ولأجل ذلك، فإنّ ذهن المؤمن وتفكيره وتخطيطه للعمل متحرّر تمامًا من كل قيود الحسابات المادية؛ وهو مبدع للأعمال الجديدة التي لا تخطر على بال أحد. وإذا ما توفّرت له تلك البيئة المناسبة فسوف يصنع المعجزات في أيّامٍ قلال. وليست هذه البيئة سوى تلك الجماعة الحاضنة المؤيّدة المتعاطفة، التي يُفترض أن تسهّل طريقه، بدل وضع العصي والعراقيل أمامه.
من أجل ذلك، يصرف المسلم الواقعيّ قسمًا كبيرًا من جهده في هذا الزمان، وهو يعمل على تشكيل هذه البيئة الحاضنة، التي لم تكن في السابق بسبب انحسار القيم الإسلامية للعمل، ولم تتحقّق لحدّ الآن؛ هذا في الوقت الذي استطاع عبيد الدنيا والمال أن يوجدوا أنسب البيئات المؤاتية لمشاريعهم الدنيوية العبثية وأكثرها حيوية ونشاطًا.
إنّه الجهاد الذي لا بدّ منه حتى تثمر الجهود. فإذا كان يريد للطب الإسلامي أن يظهر بتأثيره الساحر، فعليه أن يقنع زملاءه الأطباء الذين نشأوا على العادات والأصول والمباني الغربية التجريبية للطب والعلاج. وما أصعبها من مهمّة وما أشد كلفتها.
وإذا أراد أن يحدث تحوّلًا نوعيًّا في الإعمار وهندسة البيت الإسلاميّ وما يرتبط به، فسوف يواجه نقابات مسيّسة إلى أقصى الحدود؛ أضف إلى ذلك أثقال القيم الغربية الهابطة بقوّة الاستعمار وأجناده.
ففي كل عمل ومهنة، يتحتّم على المسلم الواقعيّ أن يجاهد ويضحّي ويصبر ويكدح، لأنّه لا يعمل من أجل ذاته بل من أجل مجتمعه؛ والمهم هنا هو التخطيط البعيد المدى والنفس الطويل والمثابرة والوعي والبصيرة التي ستثمر في نهاية المطاف. فليس التورّط في المهنة النبيلة والعمل الحلال إلا لحكمة ربّانية قضت بأن يكون عملنا الشريف وسيلة مهمّة للتغيير الاجتماعي.
ولهذا، لا يفصل هذا المسلم الواعي عمله ومهنته عن دوره الإصلاحيّ والرساليّ أبدًا.
إنّ شدّة التزام المسلم بالأمانة وصدق الوعد تجعله مضرب مثل بين الناس في زمنٍ صار الكذب ملح الرجال والحلف الكاذب وسيلة للارتزاق. وكيف لا يكون المسلم كذلك وقد آمن بالرزّاق وارتاح لوعد المنعم الوهّاب. فهل سيكترث حينئذٍ إن كان سيخسر عشرة زبائن لقوله كلمة الحقّ، والله تعالى سيأتيه بعشرات غيرهم.. فقد قال الصادق الأمين (صلوات الله عليه وآله أجمعين): "أَلَا وَإِنَّ الرُّوحَ الْأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحْمِلْ أَحَدَكُمْ اسْتِبْطَاءُ شَيْءٍ مِنَ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بِغَيْرِ حِلِّهِ فَإِنَّهُ لَا يُدْرَكُ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا بِطَاعَتِهِ".[4] فإن كان الأمر كذلك ولا تبديل لسنّة الله، فليكن رزقي ممتزجًا بالحلال الطيّب، ومصحوبًا بطمأنينة البال وصفاء العيش.
يسعى المسلم الواقعيّ للتطوّر دائمًا، وهو لا يربط ذلك بعدد الزبائن والمراجعين؛ فالإتقان عنده خلُقٌ ومتعة، وحبًّا بالعمل والخدمة وسعيًا نحو الكمال والتقدّم، لا لأجل جلب الزبائن والأموال. وليس الإتقان في الواقع إلا تعبير آخر عن الروحية التكاملية المميزة لهذا المسلم الواقعيّ، والتي تجلب له الكثير من البهجة والسعادة والاكتشافات المفيدة.. وهذا ما عبّر عنه رسول الله أسوة الأبرار وقائد الأحرار حين كان يبني قبرًا ويطلب من أعوانه هذا الحجر ثمّ يعود ويطلب غيره لأنّه أصغر قليلًا أو أكبر. والقبر سيندثر عمّا قريب بعد أن يسدّ ويطمر.. وأمام تعجّب المسلمين ممّا يرونه من دقّة النبيّ وإتقانه، توجّه إليهم قائلًا: "إنّ اللَّه تعالى يحبّ إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه".[5]
وغالبًا ما يمتزج الإتقان بالأمانة وينبع منها. فما أكثر ما يؤدّي عدم إتقان الطبيب أو المهندس أو الحدّاد أو النجار إلى مشاكل وخراب وخسائر وتعطيل، بسبب إهمالهم لتفاصيل دقيقة وحسّاسة. فمن شعر بأنّه مؤتمن على ما يقوم به وأحبّ أن يهنأ مطعمه ومشربه، فليتقن العمل ولو تطلّب ذلك منه جهدًا إضافيًّا.
والواقع أنّ المسلم يحب الإتقان لأنّه بواسطته تتكامل مهاراته ويصبح حريفًا وحاذقًا ومعلّمًا تشدّ إليه الرحال. وبذلك يتحوّل إلى مدرسة متميّزة تضفي الكثير من اللمسات التطويريّة على مجتمعها والناس.
[1]. سورة آل عمران، الآية 110.
[2]. سورة الطلاق، الآية 3.
[3]. مجموعة ورام، ج1، ص 168.
[4]. الكافي، ج2، ص 74.
[5]. نهج الفصاحة، ص 305.

الإسلام كما عرفته وآمنت به
هذا الكتاب مساهمة في ترسيخ حوار القيم والمشتركات في زمن يبحث فيه الجميع عن التلاقي. ولا شيء أفضل في هذا المجال من إظهار بعض جمال ما نؤمن به ونعتنقه. الإسلام كما عرفته وآمنت به الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 198 صفحةالطبعة الأولى، 2017مللحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

معادلة التكامل الكبرى
يقدّم رؤية منهجيّة تربط بين جميع عناصر الحياة والكون وفق معادلة واحدة. ولهذا، فإنّك سوف تلاحظ عملية بناء مستمرّة من بداية الكتاب إلى آخره، تشرع بتأسيس مقدّمات ضروريّة لفهم القضية ومنطلقاتها، ثمّ تمرّ على ذكر العناصر الأساسية للحياة، لتقوم بعدها بالجمع بينها والتركيب، لتخرج في النهاية بمعادلة شاملة لا تترك من مهمّات الحياة شيئًا. معادلة التكامل الكبرى الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 21.5*28غلاف ورقي: 336 صفحةالطبعة الأولى، 2016مالسعر: 15$ تعرّف إلى الكتاب من خلال الكاتب للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم أن تطلبوه عبر موقع جملون على الرابط التالي:

مختصر معادلة التكامل
هذه الطبعة المختصرة لكتاب "معادلة التكامل الكبرى" الذي يبيّن مدى سعة الإسلام وشمول رؤيته ومنهجه لكلّ شيء في الوجود. كيف لا؟ والله عزّ وجل هو المبدأ والمنتهى.. نقدّمها لقرّائنا الذين يودّون أن يحصلوا على معرفة أوّليّة بتلك المعادلة الكبرى، أو للذين لا يجدون الوقت الكافي لمطالعة الكتب الكبيرة. مختصر معادلة التكامل الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 200 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 6$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

كيف ننال أرقى الحالات الروحية
ليست الروحانيّة مجرّد مشاعر عابرة، بل هي حقيقة تكوينيّة وجودية يمكن للإنسان إدراكها والاتّحاد معها. وإذا أردنا أن نقرّب المعنى فلنتصوّر هذا العالم المادّي بكل ما فيه من ظواهر حياتية، ثمّ نكثّفه بإلغاء الفراغات الواقعة بين ذرّاته؛ فهنا يُقال بأنّ هذا الكون كلّه يمكن أن يتكثّف في علبة كبريت واحدة.

نمط العيش الإسلامي... القواعد والأركان
شاع في العقود الأخيرة مصطلح نمط الحياة أو العيش للتعبير عن أسلوبٍ خاصّ ينتهجه الإنسان ويمشي عليه بوعيٍ تام باعتبار أنّه العيش الأفضل. ومن الطبيعي في ظل التفاعل الثقافيّ العالميّ الذي يتّخذ أحيانًا منحى الصراع وحتّى الغزو، أن تسعى كل ثقافة لإظهار نمطها الخاصّ في العيش، وتظهيره كأرقى وأفضل أسلوب للحياة؛ عسى أن يكسبها ذلك اليد العليا في هذه المواجهة الحضارية.

قبول النصيحة شرط النجاح.. في الحياة الزوجية
تثبت المشاهدات الكثيرة وجود علاقة وطيدة بين تقبّل النصيحة وتحقيق النجاح. ولا غرابة في ذلك؛ لأنّنا كبشر ندرك حاجتنا للهداية حين نعزم على إنجاز أي شيء بصورة صحيحة، سواء كان بناء بيت أو إتمام مشروع أو زواج. وإنّما يقوى هذا الإدراك ويصبح جزءًا أساسيًّا من شخصيّتنا حين نمتلك المعرفة الصحيحة بطبيعة النفس البشرية وهي أنّها عين الجهل.

تعالوا إلى بساطة العيش. كيف تكون الحياة البسيطة وسيلة لتكامل الإنسان؟
كثيرًا ما نسمع في أوساطنا مدحًا وتمجيدًا لبساطة العيش. ولطالما ذُكرت هذه المزيّة كإحدى أهم خصائص العالِم الزاهد. وما أكثر ما تُطلق الدّعوات الموجّهة لطلّاب العلوم الدينيّة ليختاروا بساطة العيش.

يوميات مسلم مع الدعاء
حين يكتشف المسلم قوّة الدعاء سرعان ما تصبح الأدعية التي نطق بها أولياء الله الكاملون المنبع الأوحد لهذه التجربة الروحية العظيمة والمصدر الذي يرجع إليه لتوجيه شؤون حياته كلّها. وسرّ ذلك، كما لا يخفى، هو أنّ هؤلاء المعصومين، الذين بلغوا أعلى مراتب الكمال، قد أدركوا الحاجات الواقعية للخلق حين شهدوا جميع منازل الإنسانية ومقاماتها. فأدعيتهم أضحت خارطة طريق تهدي إلى الكمال والسعادة.

المسلم الواقعي صديق البيئة
ينشأ المسلم الواقعي في ظل ثقافة تحترم الطبيعة وتكرم كائناتها، حتى لو كانت أحجارًا وجمادات.. لك أن تتصوّر هذا المسلم وهو يفتخر بوضع أحجار يتختّم بها في أصابع يده تكريمًا لها؛ بل إنّه يعتقد بتأثيرها الكبير على حياته! فكيف سيكون الأمر بالنسبة للنباتات والحيوانات؟ فكيف يكون حاله مع الإنسان، وقد أكرم الله المؤمن وجعل حرمته أعظم من حرمة بيته بسبعين مرّة.

نحو حياة فكرية فوّارة... بداية العيش الإسلامي الرغيد
اهتم روحانيّو الإسلام بالحياة والسلوك البشريّ، وتحدّثوا عن التفكّر كثيرًا، وذكروا أنّه المنزل الأوّل في رحلة الإنسان التكاملية، وهو أوّل ما ينبغي تثبيته في النفس والسلوك بالمجاهدة والرياضة الروحية.. فما لم يصبح التفكّر جزءًا أساسيًّا من شخصيّتنا، لا ينبغي أن نتوقّع أي توفيق أو نجاح في المراحل اللاحقة التي يمكن أن نقطعها.

الطريق الصحيح لتأمين المعيشة : كيف نتجنب فتنةً لا تصيب الذين ظلموا خاصّة؟
تحفل النّصوص الدّينيّة بالتّصريحات والإشارات الهادية إلى حياة الكفاف والغنى والنّجاة من الحرمان والفقر. وأوّل دلالات هذه النّصوص (من آيات وأحاديث وأدعية) هي أنّ الله تعالى لا يريدنا أن نعيش في حالٍ من العوز والهمّ المانع من تحصيل الفضائل والسّعي نحو الكمال وبلوغ المقصد الأعلى في ظلّ عبادة الله.وباختصار، لا يمكن مع كلّ هذه الشّواهد أن يظنّ المسلم أنّ الفقر أمرٌ جيّد أو مقبول في الدّين والرّؤية الإسلاميّة، حتّى أنّه قد ورد في بعض الأحاديث "كاد الفقر أن يكون كفرًا".

لماذا لا يرقص المسلم فرحًا؟
تكاد لا تخلو ديانة أو ثقافة من الرقص كأحد أوجه التعبير عن الفرح والمرح وغيرها من تعابير الشموخ والفخار أو البهجة والازدهار! لكننا في المقابل نجد نهيًا واضحًا وزجرًا شديدًا عن هذا النوع من التعبير الجسدي داخل التجربة الإسلامية الشرعية، حتى لو كان الأمر حصرًا بين زوجين في خلوتهما.

الحياة الأخلاقية للمسلم الواقعي... بهجة النفس والناس
إذا كانت الحياة الروحية عبارة عن التنعّم بما وراء هذه الدنيا أو بالروح الأعظم المحيط بكلّ العوالم، فإنّ الحياة الأخلاقية تتبلور في ظلّ التنعم والاستمتاع ببهجة النفس والناس. والعنوان الأكبر للحياة الأخلاقية هو السلام؛ ففي ظلّ السلام يمكننا أن نكتشف الجمال الكامن في النفوس البشريّة ونتنعّم به؛ ومن هذه النفوس وأوّلها نفس كلّ واحدٍ منّا.

المهمّة الكبرى في حياة المسلم
المسلم الواقعيّ هو الذي يسلم وجهه لله، فتكون وجهة حياته كلّها نحو الله تعالى. وللسير إلى الله صراط وبرنامج وخطّة، تُختصر بمفهوم الدين. فمن وقف حياته كلّها للدين وتفرّغ له يكون كمن أسلم لله. والإسلام درجات، أفضلها وأرضاها عند الله تسليم الحياة والنشاطات والمساعي كلّها له سبحانه.

6 أصول للغنى والكفاف في المعيشة
لقد استضافنا الله في هذه الأرض لا ليحرمنا ويجعل عيشنا كدًّا كدًّا، بل أراد لنا أن نسعى فيها نحو الآخرة. وقد صرّح النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) بهذه الضمانة حين قال: "أيُّهَا النَّاسُ أَقْبِلُوا عَلَى مَا كُلِّفْتُمُوهُ مِنْ إِصْلَاحِ آخِرَتِكُمْ وَأَعْرِضُوا عَمَّا ضُمِنَ لَكُمْ مِنْ دُنْيَاكُم".

معيشتنا تحدّد مصيرنا
أجل، معيشتنا تحدّد مصيرنا الأبديّ. فقليل من التأمّل في تحدّيات العيش في الدنيا يجعلنا ندرك كم هي عميقة هذه القضيّة وكم هي مرتبطة بقضايا الكون الكبرى.

ما الذي يوصلني إلى أسوأ الحالات النفسية؟
الفتنة هي أي حادثة أو تغيير يطرأ على حياتنا فيهزّ أعماقنا ويظهر بواطننا ويعلن خفايا سرائرنا.. والفتنة جزءٌ من نظام هذا العالم الذي جعله الله تعالى مهد تربيتنا وتكميلنا. ولا يمكن أن تحصل التربية الواقعيّة والارتقاء الكماليّ ما لم نتعرّف إلى حقيقة أنفسنا، ونتفاعل معها وبها. قد نستغرق في رتابة الحياة، فتتراكم طبقات الاهتمامات والميول والمشاعر إلى درجة تصبح معها حجابًا سميكًا يحول دون الوعي الذي نحتاج إليه لإدراك مكنونات أنفسنا. وهكذا، تصبح هذه المشاغل والاهتمامات قناعًا يخفي حقيقة ما نحن عليه؛ الحقيقة التي سنُحشر عليها يومًا، ونؤول إليها في نهاية المطاف. وحين ترسو سفننا الهائمة في بحار الأعمار، يكون مصيرنا وفق تلك الحقيقة لا غير.. والذكيّ النبيه من يجعل معرفة باطنه وسرّه هدفًا لكلّ تحرّكاته ووجهة لمسيرة حياته.

الحياة الوادعة للمسلم الواقعيّ... ما هي قصّة الزهد في حياة الأولياء؟
المسلم الواقعيّ يستمتع بكل نعم الحياة وبهجاتها لأنّه يعلم أنّ الله قد خلق كل شيء لأجل الإنسان؛ لكنّه في الوقت نفسه يعرف سرّ التمتّع الأكبر والذي يُختصر بكلمة واحدة وهي: الزهد.

الصلاة محور الحياة الروحية... كيف نجعل حياتنا صلاة
الصلاة في الحقيقة ثناء على الله تعالى من العبد. وهي إحدى أهم أبرز لوازم الإنسانية وخصائصها وحدودها. ولهذا لا يتنكّب عنها إلّا من خرج عن هذا الحدّ ورضي لنفسه بالبهيمية. ففي بعض الأحاديث أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: "ألا يخافنّ أحدكم إذا حوّل وجهه عن الصلاة أن يحوّل الله وجهه إلى وجه حمار؟"

هكذا هي الحياة السياسيّة للمسلم الواقعيّ
ينطلق المسلم الواقعيّ نحو المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية من نقطة التكليف الشرعيّ والإلهيّ، لكنّه يحمل معه رؤية واضحة لمعنى السياسة ودورها والقيم المعنوية التي تحكمها. ولن تجد على وجه هذه الأرض من يشبه هذا المسلم من جهة اعتقاده بالمستقبل المشرق لهذا العالم وكيفيّة تحقّقه.

كيف تصبح غنيًّا.. وتعيش سعيدًا
الغنى عزٌّ، والله تعالى يريد العزّة لعباده المؤمنين. والفقر ذلٌّ وسواد الوجه في الدارين، والله لا يريد إذلال أوليائه وتحقيرهم.. الغنى خيار، وليس مجرّد قضاء وقدر ينزل على الإنسان لمجرّد الابتلاء. فكلّ إنسانٍ باستطاعته أن يصبح غنيًّا! وإذا كان من أولياء الله من اختار الفقر، فذلك لسببٍ خاصّ وموضعيّ يرتبط بطبيعة دوره في المجتمع.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...